الضميرُ ….. هو ذلك الشعورُ الإنسانيُّ الذي يجعلُ المرءَ رقيبًا على سُلوكه، ولديه الاستِعدادُ النفسي ليميزَ الخبيثَ من الطيب في الأقوال والأعمال والأفكار، واستِحسان الحسن، واستِقباح القبيح. لكن للأسف الناس اصناف مع ضمائرهم … فهناك فصِنفٌ ضميرُه ظاهرٌ حيٌّ، يعرفُ المعروف، ويُنكِرُ المُنكَر، يُشارِكُ أمَّتَه همومَها وآلامَها وآمالَها، يُواسِي ويُسلِي ويتوجَّع، ذليلٌ على المُؤمنين الصادقين، عزيزٌ على الجبابِرة المُجرِمين، لا يخافُ لومةَ لائمٍ، و(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54].
وصِنفٌ من الناس ضميرُه مُستترٌ لا محلَّ له من الإعراب، مثلُ العبد الذي هو كلٌّ على مولاه أينما يُوجِّهه لا يأتِ بخير، وجودُه زيادةٌ في العدد، لا يهُشُّ ولا ينُشُّ، فهو لم يمُتْ ولكنه مُستترٌ لُدنيا يُصيبُها، أو حظٍّ يستوفِيه، أو يخشَى ذريةً ضِعافًا من خلفِه، ولسانُ حالِه يقول : نفسي نفسي. فلا يستفيدُ منه فقيرٌ، ولا ينصحُ مُستنصِحًا، وكأنه خُلِق ليأكُل ويشرب. ومثلُ هذا إن لم يتعاهَد ضميرَه، فسيكونُ مع الزمن في عِداد الضمائر الميْتَة.
وصِنفٌ ثالثٌ، وهو الضميرُ المَيْت الذي يغلبُ شرُّه خيرَه أو لا خيرَ فيه، لا تجِده في المُقدِّمة و لا يُشاطِرُ إلا في الشرِّ، ولا تراهُ إلا في دوائر القُبح يأمُر بالمُنكر، وينهَى عن المعروف، ويقبِضُ يدَيْه، نسِيَ الله فنسِيَه، لا تجِده إلا كاذِبًا غشاشًّا أنانيًّا همَّازًا لمَّازًا ، لسانُ حاله يقول: أنا ومن وراءي الطوفان، وإن لم تتغدَّ بزيدٍ تعشَّى بك. هو كالذُّباب لا يقعُ إلا على الجُروح، يعوذُ مُجتمعه من أمثالِه حين يُمسِي وحين يُصبِح، وكأنه إنما خُلِق ليُثقِّل ميزانَه بالآثام فيلقَى ربَّه يوم القيامة وما في وجهِه مُزعَةُ لحمٍ.
حذروا من موت الضمير ……عندما يموتُ الضمير يستأسِدُ الحَمَل، ويستنوِقُ الجمَل وتستقى البحار من الركايا وتنطِقُ الرُّوبيضَة، ويتَّخِذُ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالاً فيضِلُّوا ويُضِلُّوا…… عندما يموتُ الضميرُ يُقال: دَع ما لله لله، وما لقيصرَ لقيصرَ، عندما يموتُ الضميرُ يُؤمَّنُ الخائنُ، ويُخوَّنُ الأمين، ويُصدَّقُ الكاذِبُ، ويُكذَّبُ الصادق….. عندما يموتُ الضميرُ يعلُو الظلمُ، ويخبُو العدل، ويكثُر الشُّحُّ، ويقِلُّ الناصِح، وتُستمطَرُ الآفاتُ والعقوبات . عندما يموت الضمير يصبح التعيير نصيحة والغيبة حرية والنميمة تحذيرا وعندما يموت الضمير يمكن للظالم أن يدك شعبا كاملا فلا يدري في اي واد هلك فيقتل ويفجر ويأسر ويشرد
وأخيرا عندما يموت الضمير يموت الاحساس واذا مات الاحساس استوت الاعالي والاسافل فصار باطن الارض خير لاهها من ظاهرها
ولا خير في نيل الحياة وعيشها إذا ضاع مفتاح الضمائر وانمحى
الست ترى أن الحبوب ثخينة تحول دقيقا كلما تطحن الرحى