إن رأس مال المؤمن في الدنيا دينه، يحزن ويفرح لأجله، يغضب ويثأر لأجله، هكذا ينبغي أن يكون، أما الحزن والفرح والغضب لأجل الدنيا فحسب، فهذا ليس حال الإنسان السوي المكرم فضلا أن يكون حال المؤمن، بل هو حال البهائم التي تغضب وتثأر لأجل بطونها. إن الذي يغضب ويرضى لأجل دينه يحفظ دينه ودنياه، قال الله تعالى: – { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}.. آتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة لما غضبوا لدينهم، فجاهدوا وقاتلوا في سبيل الله، فكان هذا جزاؤه ذاك.. لكن الذي يغضب ويرضى لأجل دنياه يضيع دينه ودنياه، قال تعالى: – { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط الناس عليه، ومن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى الناس عنه)،
أمور كثيرة ضاعت، وأمور كثير فسدت، وبلايا كثيرة وقعت فيها في الأنفس والأزواج والأولاد والبنات، كل ذلك لأجل المال، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( مالفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط لكم الدنيا، كما بسطت لمن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)..
لم كان إذن رسول الله يقدم الفقر على الغنى، وقد عرضت عليه خزائن الذهب والفضة، فأبى ورضي بالعيش على الحصير ولايوقد في بيته نار؟..
ليبين لنا: أن الأصل هو الدين لا الدنيا.
إن من القواعد المجربة: أن من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه..
وبما أن الآخرة هي الباقية، والدنيا فانية، فالعقل يوجب أن نحب ونقدم الباقي على الفاني، لو كان في ذلك ضرر علينا في دنيانا..