يعبر القرآن الكريم عن إهلاك فرعون بهذه الصيغة المحتقرة ، فقد نبذ ، والمنبوذ شيء محتقر غاية الاحتقار ، و قوله تعالى (في اليم) . فإنه مشترك بين إغراقه لفرعون ، وإنقاذه لموسى . وشتان بين ضعف موسى ، وقوة فرعون ، ولكنهما يمران بنفس مرحلة اليم ، فيكون اليم ، والملقى فيه ، لا يملك أدنى قدر من القوة ، أمنا ، وسلاما ، ومهادا ، وفراشا . وهو يقابل تلك القوة العظمى ، في تاريخ البشرية ، التي استعبدت الناس ، وزعمت لنفسها الربوبية والإلهية ، وقالت (إنا فوقهم قاهرون) وقالت (هذه الأنهار تجري من تحتي) فسبحان مدبر الكون . والعبرة المأخوذة من هذا ، أخي الكريم : أن لا تعير ضعفك اهتماما ، إذا كنت في معية الله ، أو إذا كان الله في معيتك . ولا تلتفت لأي قوة كانت إذا كانت خالية من تلك المعية . وصدق القائل :
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان .
وتأمل تعبير فرعون في الأولى بقوله (فوقهم) أي بني إسرائيل ، وفي الثانية بقوله (من تحتي) فكانت العاقبة عكسية معه إذ جرت الأنهار من فوقه ، وأضحى تحت بني إسرائيل ذليلا . وصدق الله إذ يقول (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) .